هل سبق لك أن قلت إحدى العبارات التالية؟ “إذا انتهيت من تناول الخضروات، ستحصل على الحلوى”، “لقد مررت بيوم صعب حقا في العمل، لذا أستحق مكافأة حلوة بعده”، “إذا حصلت على درجة جيدة في الامتحان، سنخرج لتناول البيتزا”.
هذه أمثلة على استخدام الطعام كمكافأة بشكل متكرر ولأسباب متعددة. غالبا ما يلجأ الآباء إلى الطعام لتحفيز أطفالهم على إتمام نشاط معين، مثل تناول الخضروات. كما يميل البالغون إلى مكافأة أنفسهم بالطعام بعد يوم عاطفي أو للاحتفال بإنجاز معين. يمكن أن يكافأ الأطفال أو البالغون بالطعام بعد تحقيق نجاح أو إنجاز ما. رغم أن استخدام الطعام كمكافأة شائع، فإن كثيرين ربما لا يدركون أنهم يفعلون ذلك.
لماذا نستخدم الطعام كمكافأة؟
الجواب البسيط هو أن الطعام يوفر بسرعة الإشباع والراحة، إذ يعتبر الطعام من أسهل وأقل الطرق تكلفة لتعزيز تغيير السلوك على المدى القصير أو لإشباع المشاعر، سواء كانت حزنا أو سعادة.
عندما نستخدم الطعام كمكافأة، غالبا لا نلجأ إلى الأطعمة الصحية الغنية بالألياف والفيتامينات، مثل البرتقال أو البروكلي أو الخس، بل نميل إلى الأطعمة المصنعة الغنية بالسكريات والدهون والكربوهيدرات والأملاح.
تقديم الطعام كمكافأة لفترة طويلة قد يطور عادات غذائية غير صحية (وكالات)
عند تناول الحلوى كمكافأة لإنجاز مهمة ما، يحفز الدماغ إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالشعور بالسعادة، يلعب دورا محوريا في نظام المكافأة في الدماغ.
وقد كشفت دراسة نُشرت في مجلة “نيورون” أنه عندما نحصل على مكافأة محددة في نهاية مهمة ما، يحدث إطلاق للدوبامين أيضا. وعلى الرغم من أن المكافآت غير الغذائية يمكن أن تحفز إطلاق الدوبامين، فإن الحلويات تحمل تأثيرا أقوى، مما يجعلها مكافأة غذائية شائعة الاستخدام.
تأثير استخدام الطعام كمكافأة على المدى الطويل
عندما يتم تقديم الطعام كمكافأة لفترة طويلة، يمكن أن تتطور عادات غذائية غير صحية. في دراسة أجرتها الدكتورة ريبيكا بول، أستاذة علم النفس السريري في جامعة ييل، تم استكشاف تأثير استخدام الطعام كمكافأة في مرحلة الطفولة. ووجدت الدراسة أن هذا النوع من المكافآت قد يكون له تأثير طويل الأمد على سلوكيات الأكل وعاداته.
وأظهرت الدراسة أن الشراهة عند تناول الطعام والعادات الغذائية غير الصحية لدى البالغين ترتبط بذكريات عن سيطرة الوالدين على سلوكيات الطعام في الطفولة. كما أشارت الدراسة إلى أن استخدام الأطعمة كمكافآت يتعارض مع التثقيف التغذوي الذي يتم تدريسه في المدارس والأسر.
تعمل المكافآت الغذائية عادة على تشجيع الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والدهون والسكريات.
فاستخدام الطعام كمكافأة لا يعزز الشعور بالشبع أو يعترف بأهمية الغذاء كضرورة حيوية، بل قد يعوّد الشخص على تناول الطعام دون الشعور بالجوع، مما يعطل القدرة على الاستجابة لإشارات الجوع الطبيعية.
هذه الذكريات العاطفية من الطفولة يمكن أن تحبس الأفراد في دورة من الأكل العاطفي لعقود، مما يجعل الطعام شكلا من أشكال الإدمان الخفي ويؤثر سلبا على الحالة الصحية والمزاجية.
تناول الحلوى كمكافأة لإنجاز مهمة ما يحفز الدماغ إطلاق الدوبامين (غيتي)
تتحدث اختصاصية التغذية ستيفاني جينسبيرغ عن تأثير المكافآت الغذائية قائلة: يمكن أن يؤدي منع الشخص من تناول بعض الأطعمة تماما حتى ينجز مهمة معينة إلى الشعور بالحرمان أو الإفراط في تناول الطعام لاحقا.
هذا السلوك قد يسبب أيضا انشغالا أو هوسا بالطعام. استخدام بعض الأطعمة كمكافأة وعدم تناولها إلا عند تحقيق إنجاز معين يمكن أن يكون مشكلة، لأنه قد يجعلك تشعر بالذنب عندما تستمتع بها خارج أوقات الإنجاز.
هل يجوز تقديم الطعام كمكافأة في بعض الأحيان؟
لا تقلق، في بعض الأحيان لا بأس بتقديم الطعام كمكافأة. سواء قررت شراء الآيس كريم للاحتفال بترقية في العمل أو تقديم قطعة حلوى لأطفالك للحصول على درجة ممتازة، طالما أن مكافآت الطعام ليست عادة متكررة، فلا بأس بذلك، فطبقا للخبراء يحتاج الشخص إلى شهور وربما سنين لتكوين عادة غذائية.
كيفية التوقف عن استخدام الطعام كمكافأة
إن العثور على مكافآت بديلة للطعام ليس دائما بالمهمة السهلة، لكن من المهم إيجاد مكافآت جيدة لنا ولأطفالنا لتوضيح أن الطعام ليس أفضل مكافأة. يجب ألا تجوع نفسك أو تشتري ملابس غالية، بل ابحث عن مكافآت واقعية ومفيدة.
بالنسبة للبالغين، حاول أن تكون مكافآتك تتضمن العناية الذاتية، بحيث تحقق الفائدة المزدوجة بإنجاز المهمة والاستفادة الشخصية من المكافأة. على سبيل المثال، استغل الوقت لفعل شيء تحبه، مثل الاستماع إلى حلقة من البودكاست المفضل لديك أو الاستمتاع بحمام طويل. يمكنك أيضا شراء كتب جديدة، أو الذهاب إلى السينما، أو حضور عرض فني أو رياضي. من المناسب أيضا أن تجعل مكافأتك توفير مبلغ من المال في كل مرة تكافئ فيها نفسك، لجمعه من أجل جائزة كبيرة مثل رحلة سياحية أو شراء شاشة جديدة.
العثور على مكافآت بديلة للطعام ليس دائما بالمهمة السهلة (بيكسلز)
أما عند مكافأة أطفالك، فيجب أن تكون حذرا لأن الأطفال يميلون إلى تفضيل الطعام على أي شيء آخر. لكن لا مانع من منحهم بعض الخيارات التي قد تجعلهم يتراجعون عن اختيار الطعام. بعض الاقتراحات للأطفال تشمل: وقت لعب إضافي في الخارج، أو البقاء مستيقظين لمدة 30 دقيقة بعد وقت النوم، أو اختيار نشاط واحد للقيام به مثل رحلة إلى الحديقة أو حديقة الحيوان، أو دعوة صديق للمبيت، أو مشاهدة فيلم من اختيارهم. لا مانع من شراء بعض العناصر الصغيرة مثل أقلام الرصاص أو الملصقات.
من المهم معالجة أي مشاعر كامنة قد تدفعك إلى الإفراط في الاعتماد على المكافآت لتحسين مزاجك. الشعور بالرضا عن نفسك لا يمكن لأي مكافأة أن تحققه. كما أن بناء شخصية طفل سوي يتطلب جهدا كبيرا في ترسيخ عادات شخصية وغذائية صحيحة، بحيث تنبع ثقته بنفسه من داخله، وتكون أسباب سعادته مرتبطة بنجاحاته الشخصية وليس بالمكافآت الخارجية.
هل من الخطأ مكافأة نفسك وأطفالك بالطعام؟
سهم: