بعد سنوات من التحذير من خطورة “المواد البلاستيكية الدقيقة” (بحجم أقل من 5 ملليمترات) لغزوها جميع الأشياء والأماكن، من مرتفعات جبل إيفرست إلى أعماق المحيطات، والأراضي الزراعية، والأطعمة، والأجسام البشرية. ها نحن الآن أمام خطر جديد يُسمى “المواد البلاستيكية النانوية”، وهي جسيمات متناهية الصغر، لا تُرى بالعين المجردة، وجد الباحثون أن عرضها يتراوح بين 1 و1000 نانومتر واحد وألف نانومتر (النانومتر يساوي مليار واحد من المتر، وللمقارنة فإن متوسط عرض شعرة في رأس الإنسان يبلغ من 80 ألفا إلى 100 ألف نانومتر تقريبا).
هذا الحجم المتناهي في الصغر هو الذي جعل المواد البلاستيكية النانوية أكثر انتشارا في البيئة من المواد البلاستيكية الدقيقة الأكبر حجما “فالمواد النانوية تنتقل بسهولة عبر مسافات طويلة، وتصل إلى بيئات أكثر تنوعا، ويمكنها اختراق الخلايا والأنسجة في الكائنات الحية بسهولة أكبر مما قد يؤدي إلى تأثيرات سامة، مختلفة وأكثر حدة”. وفقا لما ذكرته موهان تشين أستاذة الهندسة المدنية والبيئية المساعدة جامعة ويسكونسن، في مقال لها على موقع “ذا كونفرزيشن”.
مصادر ومخاطر الجسيمات البلاستيكية
تأتي المواد البلاستيكية النانوية من تحلل الأشياء المستخدمة يوميا، مثل الملابس، وأغلفة الأطعمة والمشروبات، والمفروشات المنزلية، والأكياس البلاستيكية، وألعاب الأطفال، وأدوات النظافة “بفعل أشعة الشمس والأحماض والاحتكاك الجسدي”.
المواد البلاستيكية النانوية قد تصل إلى الطعام من خلال الأكواب وألعاب الأطفال (شترستوك)
ويمكن أن تصل إلى الطعام، من خلال البلاستيك الموجود في الأنابيب، والسيور الناقلة، والقفازات المستخدمة أثناء التعامل مع الأغذية. فقد تم العثور عليها في كل شيء “بدءا من مياه الشرب وحتى قطع الدجاج والتفاح والقرنبيط” وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز” التي ذكرت أن الدراسات الحديثة قد ربطت هذه الجزيئات “بأمراض القلب والرئة ومشاكل صحية أخرى، أكثر إثارة للقلق”.
كما أشارت تشين في مقالها إلى أن الدراسات -التي أجريت العامين الماضيين- كشفت عن “وجود مواد بلاستيكية نانوية في دم الإنسان، وفي خلايا الكبد والرئة، وفي الأنسجة التناسلية، في جميع أنحاء العالم”. وأشارت بعض الدراسات إلى أنها “يمكن أن تشكل مخاطر كبيرة على البيئة وصحة الإنسان” كما أشارت دراسة حديثة إلى أنها “قد تكون عامل خطر للإصابة بأمراض القلب”.
يجب عدم التساهل في تخزين المواد الغذائية وتغليفها بالبلاستيك (بيكسلز)
6 نصائح للرعاية الوقائية
للتقليل من الآثار الضارة للجسيمات البلاستيكية، يوصي الخبراء بمزيد من “الرعاية الوقائية” من خلال تقليل تعرض الأسرة والأطفال للمواد البلاستيكية، والتركيز أكثر في كل ما يتعلق بالماء والغذاء والهواء، من خلال هذه النصائح التي قدمها أطباء وعلماء لنيويورك تايمز:
قلّلي من استهلاك المياه المعبأة في زجاجات
تشير الأبحاث إلى أن “المياه المعبأة في زجاجات بلاستيكية قد تكون مصدرا للجسيمات الدقيقة”. ففي دراسة أجريت عام 2024، وجد باحثون من جامعة كولومبيا أن “كل لتر تم تحليله من المياه المعبأة يحتوي على أكثر من 100 ألف جزيء بلاستيكي، معظمها من البلاستيك النانوي”.
الأبحاث تشير إلى أن المياه المعبأة في زجاجات بلاستيكية قد تكون مصدرا للجسيمات الدقيقة (بيكسابي)
لذا، ينصح الخبراء بحمل الماء في زجاجة، أو كوب فولاذي أو زجاجي قابل لإعادة الاستخدام، عند الخروج والتنقل.
لا تستخدمي البلاستيك لتخزين الطعام ولا تعرضيه للحرارة
رغم أن تخزين المواد الغذائية وتغليفها بالبلاستيك أصبح شائعا جدا، بحيث يصعب تجنبه تماما. لكن هذا لا يعني التساهل في تخزين الطعام أو السوائل في البلاستيك عندما يكون تجنب ذلك ممكنا، وتقليل تعريض أي حاويات بلاستيكية للحرارة العالية “حتى ما يُروج له على أنه آمن للاستخدام في الميكروويف” كما تقول تريسي وودروف مديرة برنامج الصحة والبيئة بجامعة كاليفورنيا.
. لا تُعيدي استخدام العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد
قد يكون من المفيد أحيانا إعادة استخدام البلاستيك الذي يستعمل لمرة واحدة. لكن الدكتورة غيليان غودارد عالمة الغدد الصماء تقول “إن هذا الأمر لا يسري على الأغذية”. فإذا لم تستخدمي البلاستيك في الثلاجة، فاحتفظي به لشيء لا يتعلق بتخزين الطعام أو إعادة تسخينه؛ وتُشدد على “عدم إعادة استخدام العبوات البلاستيكية، أو أكياس حليب الأم، أو زجاجات المشروبات”.
اغسلي البلاستيك يدويا
يوصي الخبراء بغسل أوعية الطعام البلاستيكية يدويا، حيث تكون درجات الحرارة في غسالة الأطباق مرتفعة جدا، ويمكن أن تؤدي إلى تحلل البلاستيك (حتى البلاستيك الآمن لغسالة الأطباق) “مما قد يتسبب في تساقط وتسلل جسيمات البلاستيك الدقيقة”.
استخدمي ألواح التقطيع المصنوعة من الخشب
تشير الأبحاث إلى أن ألواح التقطيع البلاستيكية “يمكن أن تكون مصدرا مهما لتسرب الجسيمات البلاستيكية إلى طعامنا” حيث إن التقطيع المتكرر على سطحها يؤدي لتطاير الجزيئات والتصاقها بالطعام وهو ما تحمينا منه ألواح التقطيع الخشبية.
ألواح التقطيع البلاستيكية يمكن أن تكون مصدرا مهما لتسرب الجسيمات البلاستيكية إلى طعامنا (بيكسلز)
نَظّفي الهواء
فالهواء الذي نتنفسه مصدر محتمل للمواد البلاستيكية الدقيقة في شكل غبار، وبالتالي فإن “تقليل الغبار في منزلك قد يقلل من استنشاق هذه المواد”.
وذلك عن طريق التنظيف بمكنسة كهربائية محكمة الغلق، ومسح الأسطح بإسفنجة أو قطعة قماش مُبلّلة، وتنظيف المراوح، وفلاتر التكييف والتدفئة.
4 نصائح خاصة بالرضع والأطفال الصغار
تظهر الأبحاث أن “تَعرّض الرُضّع للجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية يكون بتركيزات أعلى بكثير من البالغين”. ورغم أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية حظرت عام 2012 مادة “البيسفينول- إيه” الكيميائية المحتملة الضرر، في زجاجات الأطفال البلاستيكية وأكواب الشرب.
“لكنها قد لا تكون العنصر الوحيد المثير للقلق في أدوات الأطفال البلاستيكية” وفقا لطبيب الأطفال دبليو كايل مود الذي ينصح عبر موقع “كليفلاند كلينك” باتخاذ هذه الخطوات للحد من المخاطر:
تجنبي تسخين الرَضّاعة البلاستيكية “الببرونة” حيث تظهر الأدلة الحديثة أن الأطفال الذين يتغذون من الرَضّاعات البلاستيكية قد يبتلعون مستويات عالية جدا من الجسيمات الصغيرة بسبب الحرارة المستخدمة لتعقيم الزجاجات، وإعداد الحليب، ورج الزجاجة لخلطها.
إذا كنت ترغبين في تغذية طفلك برضعة دافئة في الزجاجات البلاستيكية فالأفضل تجهيز الرضعة في وعاء زجاجي مسبقا (بيكسلز)
فإذا كنت ترغبين في تغذية طفلك برضعة دافئة في الزجاجات البلاستيكية، فالأفضل تجهيز الرضعة في وعاء زجاجي مسبقا، ثم تبريدها قبل نقلها إلى زجاجة الرضاعة.
اشطفي الزجاجات البلاستيكية المعقمة بالحرارة قبل إضافة الحليب، وإذا كنت تستخدمين الحرارة لتعقيم الزجاجات البلاستيكية فاتركيها لتبرد، ثم اشطفيها عدة مرات قبل ملئها بالحليب.
اجعلي الأولوية لاستخدام رضّاعة زجاج أو سيليكون بدلا من البلاستيك، فإذا كان طفلك يفضل الحليب الدافئ أو الحليب الصناعي، ففكري في تسخينه في رضّاعة زجاجية أو سيليكون.
غسل اليدين قبل الأكل، وتقول تريسي وودروف “يجب ترسيخ عادة غسل اليدين قبل تناول الطعام، لدى الأطفال الصغار الذين يأكلون بأيديهم، لتقليل تعرضهم للمواد البلاستيكية الدقيقة الموجودة في الغبار والتربة”.